• تمهيد:

تُسهم النخب المثقفة من مفكرين وأكاديميين بشكل فعّال في صناعة السياسات العامة في الدول الغربية، وذلك من خلال المؤسسات البحثية التي تناقش بشكل علمي قضايا السياسات العامة وتسعى لتطويرها؛ فلا يُترك الأمر للسلطات السياسية دون غيرها من أجل تحديد “الصالح العام”؛ حيث يُشارك المجتمع مُمثّلًا في خبرائه ونخبه المثقفة في عقلنة القرار المنوط به تحقيق الصالح العام وترشيده، ومن ثمَّ تصويب أو تحجيم احتمالية الخطأ، وتقليل المخاطر، وابتكار الرؤى والأفكار الإبداعية في المجالات المختلفة.

وفي عالمنا الإسلامي تعاني كثير من الدول من مشكلات اقتصادية واجتماعية كثيرة وممتدة منذ سنوات طويلة، رغم وجود مؤسسات بحثية وجهود فكرية للباحثين والأكاديميين في قضايا تحليل السياسات العامة وصناعتها، وإن كانت أقل عددًا من نظيراتها في الدول الغربية.

  • وصف المشروع وأهميتها:

ينطلق هذه المشروع من الإجابة عن تساؤل رئيس مفاده: ما مدى قدرة المؤسسات البحثية على التأثير في عملية صنع السياسات العامة والاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي؟ 

ويرتبط بالإجابة عنه الإجابة عن عددٍ من الأسئلة الفرعية، أهمها: أكانت مراكز الأبحاث في العالم الإسلامي امتداد للتجربة الغربية أم كانت وطنية خالصة أو إسلامية ذات امتدادات ثقافية خاصة بحسب نطاقاتها المكانية؟ وما علاقة هذه المؤسسات بالسُّلطة السياسية ومدى اشتباكها بها واستقلالها عنها؟ وما مدى ارتباطها بالحركة العلمية وتأثرها بالتنمية العلمية؟ وما نتائج مخرجاتها – إيجابًا أو سلبًا – على السياسات العامة وتأثيرها فيها، ومن ثم على المصالح العامة للمجتمعات؟ وكيف يُمكن تقييم ارتباط هذه النتائج بالواقع وقياس مدى فاعليتها؟ 

وتعتمد الإجابة عن هذه التساؤلات على الاستقصاء أكثر من الاعتماد على المراجع؛ ولذلك تركز الدراسة على فحص المراكز وسيرتها الذاتية وخبراتها في العمل، وتعني بذكر الأمثلة والتطبيقات، وتتبع البحوث والباحثين والنتائج البحثية، وعقد المقارنات المختلفة في نطاق العالم الإسلامي.

  • تقسيم المشروع:

ينقسم المشروع إلى خمسة فصول:

الفصل التمهيدي: يتضمن مقدمات أساسية، تشمل التعريف بمراكز البحوث، وعرض لأهم أنواعها وأهمية كل نوع، ومعطيات تفعيلها، والأدوار المنوطة بها في المجتمع والدولة، والعلاقة بينها وبين عمليات صنع السياسات العامة واتخاذ القرار السياسي والإداري، والتعريف بمراكز البحوث في العالم الإسلامي، وتاريخها، وتطورها، وأدوارها الوظيفية المختلفة، وطبيعة السياسات بصفة عامة، وتحليلها، ودورها في استقرار النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية أو تقويضها، كما يقدم الفصل بعض الإحصائيات والمعلومات الخاصة بخريطة مراكز البحوث في العالمَين الإسلامي عامةً والعربي خاصةً، وتوزيعها وتمركزاتها، وأدوارها المجتمعية واهتماماتها الخاصة.

الفصل الأول: يتعلق بتحديد الأهداف والبرامج وخطط العمل: الأساس والدوافع، حيث يتضمن – خاصةً – إدارة البحوث وعمليات التطوير والاستراتيجيات العامة لمراكز بحوث السياسات، والعوامل المؤثرة في تحديد أولوياتها ورسم خططها، بالإضافة إلى تمويلها ومواردها المالية، وكيف أمكن استثمار آلية الوقف في تمويلها، ومدى شفافيتها في جانب التمويل، وتأثير ذلك في تحديد الأهداف والبرامج وخطط العمل، وهل ارتبط ذلك بحركات ولوبيات دينية أو سياسية.

الفصل الثاني: يناقش تأثيرات مراكز البحوث وعلاقاتها بالحركة العلمية وتفاعلاتها معها، ويتضمن على – وجه الخصوص – علاقات مراكز البحوث وتفاعلاتها مع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، ومقارنات مراكز بحوث السياسات بهذه الكيانات على مستوى التأثير والاستجابة والتفاعل مع السلطة.

وليس المقصود تسليط الضوء على دور المراكز في التنمية العلمية، وقبل ذلك التركيز على أدوار مراكز البحوث وسياساتها وتفاعلاتها داخل الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، وبوجه عام علاقة مراكز البحوث بالحركة العلمية من حيث الاستناد إليها والاستفادة منها في الأدوات والوسائل والنتائج، فالدراسة لا تناقش دور المراكز في البحث العلمي، وإنما تأثرها به ومدى استخدامه في رفع كفاءتها ومساعدتها في رسم السياسات العامة المتعلقة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بالإضافة بالطبع إلى إمكانيات تأثرها وتأثيرها في صُناع القرار.

الفصل الثالث: يُحلل أدوات مراكز البحوث المختلفة، حيث يعرض أهم الأدوات البحثية والإجرائية التي تستخدمها مراكز البحوث، سواء كانت مُسوحًا أو دراسات حالة أو قواعد بيانات أو غير ذلك، وكيفية تكوينها والتعاطي معها، ومدى قوتها وتأثيرها باعتبارها العمود الفقري لمراكز البحوث، بالإضافة إلى جودة باحثيها وعلاقتهم بالسُّلطة السياسية، والتشريعات المنظمة أو الداعمة أو المقيِّدة لعمل مراكز البحوث، وما يمثله كل ذلك ويؤدي إليه من عقبات أو فرص في تحقيق النتائج.

وفي الختام  يحلل الفصل الرابع نتائج البحوث ومعايير تقييمها وفاعليتها وارتباطها بالواقع، إيجابًا وسلبًا، عبر مناقشة الدور الفعلي لمراكز البحوث في العالم الإسلامي، من خلال التعرف على معايير التقييم الغربية والعربية ونقدها، وواقع النتائج وتأثيرها في القرار السياسي والإداري، بالإضافة إلى فاعلية مراكز البحوث من حيث دوافعها ومحفزاتها من جهة، ومن حيث الإشكاليات والعوائق المؤثرة في فاعلية نتائجها من جهة أخرى.

ونطاق المشروع يتسع ليشمل:

– خبرات العالم الإسلامي في إطار تحليل العناصر المشار إليها من خلال استعراض أبرز تجارب مراكز البحوث الموجودة في البلدان الإسلامية، ومواردها وأولوياتها، وخططها العامة وتحدياتها، وحضورها العالمي، في ضوء كل عنصر من عناصر فصول المشروع السابقة، ويشمل التحليل ثلاثة مستويات: السياسات العامة، والسياسات الاقتصادية، والاجتماعية.

– خبرات العالم الإسلامي على مستوى أدوات البحث وقواعد البيانات، والتواجد العربي على مستوى المنصات المصدرية والرصدية ذات الصلة بالبحث العلمي والجهود البحثية المقدمة في هذا المجال.

– السلطات المسئولة، والكيانات الفاعلة، ومدى تأثير المراكز وتأثرها، والتطورات النوعية والكمية في كل عنصر من العناصر، مع إبراز وجه الخصوصية لبعض الدول والأقاليم، مثل: المنطقة العربية وإيران والخليج العربي والمغرب العربي وغيرها من المناطق، وبيان أهم الاختلافات بين المراكز البحثية في كل منطقة؛ وذلك لتجنب الوقوع في تعميمات خاطئة.

– النظم والقوانين المتعلقة بعمل المراكز، وأبعاد كل عنصر من عناصر الفصول المتقدمة، سواء ما يتعلق بتحديد الأهداف والبرامج، أو التأثيرات والتفاعلات، أو الأدوات أو النتائج، إلى غير ذلك.

– الصورة الكلية للمنشورات والمنجزات البحثية لأبرز مراكز البحوث، وأكبر عدد منها، وبيان اتجاهاتها العامة وتوزيعها المجالي من حيث صناعة السياسات، وأبرز موضوعاتها، ونسبة ما يتعلق منها بالظواهر المهمة والمشكلات الحيوية للعالم الإسلامي بصفة عامة، ودولة المقر بصفة خاصة، لإثراء بحوث المشروع وتأييد نتائجه وتأكيدها.