موسوعة الأقليات المسلمة في العالم

• تمهيد:

تُعد أوضاع الأقليات المسلمة في العالم وقضاياها من الموضوعات التي حظيت باهتمام بحثي من قِبل علماء الأمة ومفكريها، فأنتجت موسوعات جغرافية وتاريخية للتعريف بأوضاع هذه الأقليات، ومناطق انتشارها ومؤسساتها، وتاريخ الإسلام في الدول التي تعيش فيها هذه الأقليات، كما أنتجت كتبًا وأبحاثًا تتناول جوانب مختلفة من أوضاع الأقليات الفقهية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية. إلا أن هذا الاهتمام الموسوعي أخذ في الخفوت منذ بداية الألفينيات، وكأن قضايا الأقليات المسلمة أصبحت قديمة غير متجددة، يكفي ما أُنتج بشأنها!

والحق أن قضايا المسلمين متجددة باستمرار، وتحتاج إلى منظورات جديدة لتناولها وطرحها، كما أن أوضاع المسلمين أنفسهم تتغير، ليس عقدًا بعد عقد، وإنما عام بعد عام، فهذه الأقليات التي لم تكن تحظى بأي قبول مجتمعي أضحت قوة معترفًا بها، لها تمثيلها السياسي والنقابي والاقتصادي، كما أن تلك الأقلية التي عاشت منسجمة مع المجتمع مندمجة فيه مُرحَّبًا بها لم يُعد الأمر بالنسبة لها كذلك، فقد تبدلت الأحوال وتغيرت، لتعلن عن تحديات جديدة أمام هذه الأقلية، يقف أغلبية مسلمي العالم منها موقف المتابع غير المهتم، أو على الأقل غير المنفعل معها.

لقد فرضت الصراعات الدائرة في العالم الإسلامي موجات جديدة من هجرات المسلمين إلى دول مختلفة من العالم، بالأخص أوروبا، التي كانت تفرض معظم دولها أصلًا تحديات شتى على المسلمين المقيمين على أراضيها قبل تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين المسلمين بسبب النزاعات والحروب الأهلية في الشرق الأوسط مؤخرًا، ترافق ذلك مع صعود تيارات اليمين المتطرف في أنحاء أوروبا كافة، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى في أمريكا اللاتينية، وزيادة حدة انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، وما خلَّفته من مظاهر عنف وتحرش بالمسلمين، وتضييق على أداء شعائرهم الدينية، ومشاركاتهم في الحياة الاجتماعية والسياسية بوصفهم مواطنين في هذه الدول.

• وصف المشروع وأهميته:

يعيش ما يقرب من ثلث المسلمين كأقليات عددية حول العالم؛ يتعرض عدد كبير منهم لصور مختلفة من التهميش السياسي والاجتماعي، والاضطهاد والتعذيب، في حين يحظى آخرون بفرص أكبر للتعايش السلمي والاندماج في مجتمعاتهم، وفي الحالتين تُطرح إشكاليات وأسئلة تتعلق بكيفية فهم الأوضاع والسياسات التي أدت بواقع المسلمين إلى الاضطهاد أو التعايش، وكيف تعامل المسلمون مع مجتمعات مختلفة عنهم ثقافيًّا ودينيًّا؟ وما الأدوار السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهم؟ وما أهم التحديات التي يفرضها واقع الأقلية المسلمة؟ وكيف تتعامل معها الأقليات من خلال الآليات المؤسسية والسياسية؟ وذلك في إطار تساؤل كلي -تحاول الموسوعة في سياق الإجابة عن هذه التساؤلات الجزئية الإجابة عنه- هو: كيف يمكن تمثل مفهوم الأمة وتحقيقه من خلال الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات، شملت الموسوعة خمسة محاور:

محور أول: تأسيسي، تناول موضوعات تاريخية ونظرية وجغرافية ذات صلة بموضوع الأقليات بصفة عامة، والأقليات المسلمة بصفة خاصة. فبينت دراسات هذا المحور كيف أن مَن عاشوا في كنف الحكم الإسلامي تاريخيًّا لم يُعتبروا أقلية، ولم يُعامَلوا إلا بالمثل مع المسلمين، وأن اليهود والنصارى سواء كانوا عربًا أو غيرهم عاشوا وتاجروا في بلاد المسلمين دون تمييز. كما وضعت هذه الدراسات خرائط دقيقة لانتشار المسلمين في العالم الحديث، ومستقبل وجودهم، فضلًا عن أنها بينت الآليات القانونية ذات الصلة بحماية الأقليات المسلمة.

وأربعة محاور تطبيقية، موزَّعة على مناطق العالم وقاراته، وهي: أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، الأمريكتان وأستراليا؛ وفي كل محور تناولت الدراسات بالتفصيل أوضاع الأقليات المسلمة في الدولة أو المنطقة أو الإقليم موضع الدراسة، وبيَّنت انقساماتها الجغرافية والديموغرافية والعرقية، كما أوضحت أدوار التنظيمات الإسلامية المختلفة، وطرحت القضايا والتحديات الرئيسة، سواء التي يتعرض لها المسلمون في الوقت الراهن أو يمكن أن يتعرضوا لها في المستقبل. فتضمنت كل ورقة من الورقات التي قُدمت في هذه المحاور الأربعة ما يلي:

1. رصد طبيعة الأقلية وخصائصها، من النواحي الاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، والطائفية، والمذهبية.
2. بيان الإسهام الفكري والاجتماعي لنخب الأقلية المسلمة.
3. رسم خريطة للتنظيمات الإسلامية، ومدى انخراطهم في المجتمع والسياسة.
4. توضيح علاقة الأقليات بقوى المجتمع السياسية والاقتصادية.
5. تناول المشكلات والتحديات والإشكالات الحالية المطروحة أمام الأقلية.
6. بيان دور البُعد الخارجي في تمكين الأقلية وبقائها.

وتجدر الإشارة إلى أن فكرة المشروع طُرحت في ديسمبر 2019 من قِبل مجموعة من الباحثين والأساتذة الأكاديميين المهتمين بشئون العالم الإسلامي هم: د. وليد صبحي العريض (الأردن)، د. نفيسة دويدة (الجزائر)، د. هند فخري سعيد المولى (العراق)، د. محمد عبد الرحمن عريف (مصر)، د. صالح محروس محمد (مصر)، الذين بدأوا دعوة الباحثين لتقديم ملخصات في المشروع، ثم تبنى مركز أركان للدراسات والأبحاث والنشر الفكرة كمشرف وراعٍ للمشروع، وبادر بدعوة الباحثين لتقديم بحوثهم، وكوَّن فريقًا متخصصًا لمراجعة جميع الدراسات والأوراق التي قُدمت، والاستدراك عليها, كما أسند لباحثين آخرين مهمة إعداد دراسات في المناطق والدول التي لم تتطرق إليها الأعمال المقترَحة على المركز، ويستمر العمل في المشروع حتى هذه اللحظة.

يسعى هذا المشروع إلى تحقيق أهداف بالجملة، تتصل برسالة المركز ومهمته الأساسية، يأتي على رأسها نقل صورة دقيقة واقعية مُحدَّثة عن الأقليات المسلمة في شتى بقاع العالم، التي هي جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، وكذا زيادة الوعي العام بأوضاع هذه الأقليات، وزيادة الشعور بهم وبقضاياهم المُلِحَّة، وأهم من ذلك، تقديم مادة بحثية ثرية أمام الباحثين لتشجيعهم لإعداد مزيد من البحوث حول أوضاع الأقليات، كلٌّ حسب تخصصه، وبالطريقة التي تسمح بزيادة فعالية هذه الأقليات في مجتمعاتها من جانب، وزيادة اتصالها بالعالم والأمة الإسلامية من جانب آخر.

إن الأمة الإسلامية ليس مفهومًا مجردًا، أو خطابًا دعائيًّا، أو خيالًا اجتماعيًّا لبعض المسلمين أو الإسلاميين، إنما هي واقع موجود بمستويات ومظاهر مختلفة؛ تسعى هذه الموسوعة لفحص بعض هذه المستويات وتمثلها، وذلك عن طريق زيادة الوعي بقضايا المسلمين في مناطق العالم كافة، وزيادة اتصالهم بباقي العالم الإسلامي.