إعداد: أحمد أمين – آلاء ماهر

تحرير: أحمد خليفة – أسماء علي

يشهد العالم منذ أواخر عام 2019 تفشي فيروس كورونا المستجد، الذي ظهر أول ما ظهر في مدينة وهان الصينية، ومنها انتشر إلى جميع أنحاء العالم، ليؤكد سمة العولمة حتى على مستوى الأوبئة والأمراض من ناحية، وزيادة درجة ارتباط الصين بها من ناحية أخرى. مثّل انتشار هذا الوباء تحديًا سياسيًّا واقتصاديًّا ونفسيًّا له تداعياته العالمية مثلما كان تحديًّا للأنظمة الصحية ولجان إدارة الأزمات والكوراث في كل دولة على حدة.

فرغم أن الوباء في ظاهره يقدم أخطار تُهدد الصحة العامة، وسلامة الأفراد، فإن باطنه يحمل من الأبعاد السياسية والاقتصادية الخارجية والداخلية الكثير والكثير؛ فلقد استمرت المعاناة المصاحبة للوباء وانتشرت تداعياته بين النظم السياسة والدول بكافة أنواعها سواء كانت ديمقراطية أو ديكتاورية، فيدرالية أو بسيطة، كبيرة كانت أو صغيرة، وانتُقدت حكومات على إثر إداراتها لأزمة كورونا، ليس هذا فحسب، بل تبادلت النخب والجماهير والدول إلقاء التهم على بعضها بعضًا؛ فالولايات المتحدة اتهمت الصين بالتكتم على الوباء، وأُلقي اللوم على حكومة بريطانيا باعتبارها سبب تفشي الوباء في البلاد، بينما عُلل انتشار الوباء في إيطاليا إلى عدم وعي الجماهير وتعاملهم بتهاون مع الفيروس.

لم تقف جدالات أزمة كورونا إلى الحديث عن العلاقات الثنائية أو الحديث عن دولٍ بعينها، بل امتد ليشمل الحديث عن مستقبل النسقَين الإقليمي والدولي؛ فذاك الاتحاد الأوروبي أضحت دوله تحجم عن مساعدة الدول الأكثر تأثرًا بالفيروس، وأضحت سياساتهم أكثر تمحورًا حول الداخل، فتناقل الباحثون احتمالات تفكك وتصدع الاتحاد الذي دام أكثر من 60 عامًا منذ اتفاق دوله على معاهدة إنشاء الجماعة الأوروبية للحديد والصلب، وهو ما يُفسح المجال أمام روسيا لتكون أقوى وأكبر تأثيرًا على الصعيدين الأوروبي والعالمي.
أما على مستوى النسق الدولي، فالسيناريوهات متأجرحة بين تنامي الدور الصيني عالميًّا – في ظل ما وصفه البعض بقدرة عالية على التحكم في مسار الأزمة وكسر سلاسل العدوى، وزيادة نشاط دبلوماسيتها الصحية؛ لتكون نموذجًا يُحتذى به في إدارة الأزمة، والسيطرة على تداعياتها سياسيًّا واقتصاديًّا -، وبين تجديد الولايات المتحدة لآليات قوتها وهيمنتها على العالم عبر تعزيز قوتها الناعمة، ونظامها الصحي، واتخاذ انتشار الفيروس فرصة لزيادة عزلة الصين ومحاصرتها اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا.

ولم يختلف الوضع اقتصاديَّا عنه سياسيَّا في ظل الأزمة، فلقد عانى الاقتصاد العالمي جراء تلك الجائحة من آثار كانت أكثر حدة من الأزمة العالمية؛ إذ أن آثار الأزمة العالمية كان محددًا في عدد من الدول دون الأخرى بينما امتدت آثار تلك الجائحة إلى كافة دول العالم، فقد شهد عام 2020 ركودًا عالميًّا ترتب على إثره حدوث صدمات متتابعة من انخفاض حركة التجارة العالمية لكافة القطاعات ما عدا القطاع الطبي، وبالتبعية انخفض الطلب والإنتاج العالميَين مما تسبب في توقف عدد كبير من المصانع، وبطبيعة الحالى استدعى هذا انخفاض معدلات النمو المتوقعة، وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع الإعانات المقدمة لمواجهة هذه التداعيات، كل هذا تسبب في زيادة الأعباء على الدولة، فقد رصدت الدول خطط دعم تقرب في بعض الدول من 8% من إجمالي الناتج المحلي.

لكن على الرغم من عالمية هذه التداعيات إلا أن أثرها يختلف من دولة إلى أخرى، تبعًا لخصوصية كل دولة، فتبدو بوضوح قدرة الدول ذات الدخل المرتفع على احتواء هذه الأزمة، فيما تضررت بشدة الدول ذات الدخول المنخفضة نتيجة لسوء القطاع الصحي، فضلًا عن ثقل ميزانيتها بالمديونيات؛ مما تسبب في آثار اقتصادية واجتماعية سلبية على الأفراد، ولكن تجدر الإشارة إلى أن تلك الأزمة قد تسبب أيضًا في إخفاق عدد من الدول ذات الدخل المرتفع – والتي تقع في ركب الدول المتقدمة – في احتوائها للأزمة، مما جعلها تسعى لطلب المساعدات الدولية.

وفي ضوء تلك الجائحة تسعى الدول إلى الخروج من الأزمة، فوضعت الدول عددًا من السياسات، فعلى سبيل المثال قدمت الدول دعمًا للشركات المتضررة، عن طريق الإعفاءات الضريبية ودعم الأجور وتأجيل التزامات الديون، خاصة للقطاعات المتضررة من الإغلاق مثل المواصلات والسياحة، بجانب دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وعلى المستوى الاجتماعي سعت الدول إلى تعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية للفقراء والفئات المهمشة، وتوفير إعانات البطالة، والتوسع في حجم المستفيدين منها، والتوسع في منح التحويلات النقدية والعينية، وتأجيل التزامات القروض الفردية وضريبة الدخل والرسوم الحكومية.

حمل الدراسة كاملة