إعداد: هند إمام

كنا وما زلنا نشهد في عالمنا العربي والإسلامي توالي الأحداث والأزمات السياسية وتطوراتها المؤثرة إقليميًّا وعالميًّا، وما يزال الصراع الحضاري بين العالمَين – في الشرق والغرب – حاضرًا بقوة، تنطلق منه التفاعلات والصدامات حربًا وسلمًا منذ زمن بعيد، ولهذا فتعد قضايا الشرق الأوسط وأزماته السياسية مادة واسعة وفيرة للدراسات والأبحاث والأطروحات الفكرية المقدمة للرأي العام من خلال المواد المسموعة والمقروءة، التي لم تسلم من الانحيازات السياسية والدينية والعرقية حتى يومنا هذا.

«ميشيل لودرس» كاتب ألماني له عدد من الكتب عن قضايا الشرق الأوسط وأزماته السياسية، قدمها في إطار تحليلي ثقافي مناسب للقارئ بالألمانية كطرح فكري معاصر، من بينها كتاب (من يحرك الريح: كيف أفسدت السياسة الغربية في الشرق؟).

صدر الكتاب عام 2015 ليناقش أوجه التدخلات الغربية الأمريكية في الشرق الأوسط والسياسات المتبعة وآثارها ونتائجها بعد الحرب العالمية الثانية؛ فقدم بعض نماذج لدول عربية وإسلامية مرت بأزمات، ظهر فيها التدخل الغربي الأمريكي واضحًا مؤثرًا في سياقات الأحداث، فبدأ بالانقلاب الإيراني عام 1953 ودور الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في تدبيره، ثم الحرب الأفغانية – السوفيتية وأوجه التدخل الأمريكي العربي فيها، ثم الحرب العراقية – الإيرانية، وصولًا إلى الغزو الأمريكي للعراق وتتبَُع تطورات العلاقات العراقية الأمريكية قبل الغزو عام 2003، ومحطات التدخل الغربي الأمريكي في الشأن العراقي، وانتهى الكتاب عند حرب غزة عام 2014 والموقف الغربي الداعم لإسرائيل، مرورًا بالتعامل الغربي الأمريكي مع الثورات العربية عام 2011.

رصد الكاتب خلال رحلته بين أزمات العالم العربي والإسلامي سياسات ممنهجة غربية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع ملفات الشرق الأوسط، هذه السياسات وليدة التطورات السياسية والاقتصادية من بعد الحربين العالميتين وانتهاء بالحرب الباردة، وقتما قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مصالحها من فرض نفوذ على مصادر الطاقة وأمن إسرائيل كمركز تدور حوله المواقف والإجراءات السياسية، وذلك نتاج سياسة عالمية جديدة فُرضت على العالم أجمع، وقد رصد الكاتب عدة سياسات غربية أمريكية مثل: التشويه السياسي لرموز وجماعات، وفرض العقوبات الاقتصادية، والدعم الخفي للمعارضين، والحرب بالوكالة، والتدخلات العسكرية المهلكة للبلاد والعباد.

ويقدم الكاتب نتائج السياسات الغربية الأمريكية كموضوع رئيس للكتاب، فيعددها كدليل على فساد هذه السياسات وافتقارها إلى المعايير والقيم التي تتبناها المنتديات الدولية والسياسة الأمريكية، فيعرض للخراب والدمار وتجويع الشعوب بالسياسات العقابية دون النظر لأية اعتبارات إنسانية، ومن النتائج المطروحة بقوة في الكتاب أيضًا، نجاح الجماعات الجهادية وتزايد نشاطها ونفوذها على الأرض وتقديمها كعقاب جناه الغرب والولايات المتحدة لأنفسهم بأيديهم.

تُقدم هذه المراجعة عرضًا للقضايا المطروحة في الكتاب، مع توضيح تحليلات الكاتب ورؤيته الكلية للمشهد، ثم التعليق على أطروحات الكاتب ونقد الأفكار قبولًا وردًّا داخل سياقاتها.

حمل الدراسة