إعداد: أمل عبد الرحمن  

ينتمي هذا الكتاب إلى ما يُعرف بدراسات ما بعد الاستعمار، فهذا المجال الأكاديمي يركز على نقض الاستعمار وكشف مظاهره وآثاره في محاولة للتخلص من الإرث الاستعماري الذي يُثقل الشعوب التي سبق استعمارها، ومقاومة مظاهر الكولونيالية الحديثة، والمقاومة هنا تتمثل في مجال البحث؛ فهذا الكتاب يُعرِّف البحث بوصفه «موقع للنضال» بين كل من مصالح وطرق المعرفة لدى الغرب، ومصالح وطرق المقاومة التي يتبعها الآخر – والآخر هنا هم السكان الأصليون – فالبحث ليس مجرد أداة أكاديمية بريئة ومحايدة ولكنه نشاط تتم ممارسته داخل سياق اجتماعي وسياسي يتأثر بهذا السياق ويؤثر فيه، ودائمًا ما كان البحث وسيلة تستخدمها الكولونيالية لإسقاط ادعاءاتها على المجتمعات المستعمِرة، ثم إعادة تقديم هذه الادعاءات نفسها إلى المستعمَرين، بما يُشكل ليس فقط تصور الغرب ومفهومه عن شعوب العالم المستعمَر والسكان الأصليين، ولكن يُشكل تصور هذه الشعوب وهؤلاء السكان عن أنفسهم، بما يتوافق مع مفهوم الغرب عنهم، وينتج علاقات قوى يحتل فيها المتسعمِر موقع الهيمنة. فالبحث لم يكن سوى وسيلة لاستغلال شعوب ومعارف وثقافات الأقاليم المستعمرة بما يخدم المصالح الاستعمارية. لذلك فإن هذا الكتاب يؤكد على أهمية تقديم منهجيات جديدة للبحث تحترم المجتمعات المحلية وتكون قادرة على مساعدتها وإفادتها، بحيث تنطلق من المجتمع وتساؤلاته ومشاكله لتعود بالنفع عليه.

ولعل أهم ما يميز الكتاب أنه لا يركز فقط على نقض المنهجيات الكولونيالية كهدف نهائي وخطوة وحيدة في مواجهة الآثار التي خلَّفها الاستعمار على السكان المحليين، وإنما يقدِّم كذلك عرضًا لعدد من المنهجيات البديلة التي أنتجها باحثون من السكان الأصليين، وبهذا يحدث تراكم معرفي يُسهّل عملية بناء بدائل منهاجية؛ لأنه دون وجود بديل قوي فإن المنهجيات الكولونيالية سوف تعيد إنتاج نفسها.

ويأتي الكتاب موزعًا على اثني عشر فصل ومقدمة وخاتمة، وينقسم إلى جزئين؛ يعرض الجزء الأول للإرث الاستعماري للمعرفة الغربية والتأثير المستمر لهذا الإرث بما يؤدي إلى استمرار تهميش السكان الأصليين، أما الجزء الثاني فهو يركز على تقديم إمكانيات بديلة ومتنوعة يمكن أن يستخدم السكان الأصليين بها البحث في دراسة مجتمعاتهم وداخل المجالات والمؤسسات الدراسية دون إعادة إنتاج المعرفة الكولونيالية، وفي الفصلين الأخيرين يعرض للصعوبات التي يواجهها الباحث المحلي عند قيامه ببحث مجتمعه.

حمل الدراسة