إعداد: حنان صبحي
جاءت فكرة الاستشراق بعدما فشل الغرب في حروبهم الصليبية، فأقنعوا رجال السياسة والكنيسة في الغرب بأن العالم الإسلامي لا يمكن إخضاعه بالقوة؛ فلجأوا بدلًا من ذلك إلى دراسة أحوال المسلمين بطرق منهجية (الاستشراق)؛ لتسهيل السيطرة عليهم، فقاموا باحتواء الإسلام بوصفه دينًا وعقيدة، واختراق العالم الإسلامي، بهدف السيطرة عليه.
وقد نبع مشروع الاستشراق من علاقة الكنيسة بالغرب، ثم بعد ذلك تأسست المعاهد ومراكز الدراسات والبحوث، كل هذا لكي تشكِّل خلايا متشابكة تخدم غرضًا واحدًا، هو ضمان سيطرة الغرب على الشرق، ومن هنا جاء دور المستشرقين كبوابة للمبشرين في الحقيقة، وظلت الدراسات محكومة بالدافع التبشيري، أو الاستشراقي، أو المادي، أو غير ذلك، وهذه الدوافع -في الواقع- لا قيمة لها بجوار دافع العقيدة، الذي يربط المسلم بتراثه، حتى لو كان مفرِّطًا في حقه. وبهذا وُجدت دوافع كبيرة للغرب تجاه الشرق، خصوصًا بعد فترة التحولات، والاكتشافات الجغرافية، وصعود الغرب حضاريًّا في نهاية القرن الخامس عشر، والبدء في التخطيط للسيطرة على العالم العربي والإسلامي.
وفي مطلع القرن السادس عشر، بدأ الصراع، ولكن أيقنت أوروبا أن عليها تجديد معرفتها بالعالم الإسلامي والشعوب الإسلامية والدين الإسلامي؛ فاتجهت إلى تنشيط رحلات الحجاج إلى الأراضي المقدسة للتزود بالمعلومات، والاهتمام بالترحال من الغرب إلى الشرق، واهتمت كذلك بالقوافل التجارية؛ لكي تكشف عن الطرق والمناطق والمسارات، وفي هذا المرحلة، ظهر ما يسمى بـ”الحاجّ المستشرق”، و:”الرحَّالة المستشرق”، و”التاجر المستشرق”، وبرزت ظاهرة التبشير المسيحي (المبشر المستشرق)، وأُطلق على الواحد من قادة الجيوش “الضابط المستشرق”، وعن طريق كل هؤلاء، كان التزود بالمعرفة، وإشباع الحاجة إليها.
كما سعى الغرب إلى إرسال رحلات علمية كان لها هدفًا خاصًّا، وهو اقتناء ما يخص التراث العربي الإسلامي، حيث أرسلوا مستشرقين في إطار رحلات وبعثات في جميع المجالات العلمية؛ من أجل الحصول على تراث العرب والمسلمين من وثائق ومخطوطات وآثار، حتى أصبح الاستعمار إحدى الوسائل غير الشرعية في جمع تراث المخطوطات العربية الإسلامية، وقد أثبتت حملة نابليون بونابرت على الشرق ذلك.
وقد بذل المستشرقون جهودًا كبيرة من أجل تحقيق المخطوطات، فعكفوا على ترجمتها أولًا، وأُنشئت الجمعيات الآسيوية والمعاهد الشرقية؛ بهدف فهم شئون المستعمرات ودراستها، ومعرفة لغاتها، وتاريخها، والخوض في ثقافاتها. فترجم المستشرق «آنخل جنثالث بالنثيا» -على سبيل المثال- بعض الكتب العربية، وكان قد تعلم على يد العديد من المعلمين في منطقة دينية، وكان العلم الأكثر شيوعًا في عصره هو علم القواعد النحوية، فاهتم بالمخطوطات العربية، وتأسيس الكراسي الجامعية لتدريس اللغة العربية، وآدابها، وثقافتها، وحضارتها، وإنشاء المكتبات لجمع التراث العربي وتوثيقه.
من هنا، تُبرز هذه الدراسة أهمية الحضارة العربية والإسلامية في عصر الأندلس، ودور الاستشراق كونه إحدى أهم الأدوات الاستعمارية التي استغلها الغرب ضد الحضارة العربية والإسلامية وشعوبها، إذ مثَّل لهم قوة معرفية في شئون الشرق بجميع نواحيه المختلفة.
Leave A Comment